سوريا وكشمير- ساحات اختبار لقوة تركيا وإسرائيل وأمريكا والصين

المؤلف: كمال أوزتورك09.05.2025
سوريا وكشمير- ساحات اختبار لقوة تركيا وإسرائيل وأمريكا والصين

في معرض حديث لي مع وزير الدفاع التركي، السيد يشار غولر، قبيل أحد الاجتماعات الهامة، وبشكل متوقع تمامًا، ما إن تطرق الحديث إلى الملف السوري، بادرت بسؤاله عن آخر التطورات والمستجدات. فأجاب قائلاً: "الآلية التي قمنا بإنشائها بهدف مكافحة تنظيم الدولة المتطرف، والتي تم بحثها ومناقشتها بشكل تفصيلي خلال اجتماع عقد في الأردن الشقيق، ستدخل حيز التنفيذ الفعلي في القريب العاجل. نحن مصممون وعازمون على تحقيق ذلك بكل ما أوتينا من قوة. ومن المسائل الأخرى التي تكتسب أهمية قصوى بالنسبة لنا، هو أن تقوم المنظمة الإرهابية (في إشارة واضحة إلى حزب العمال الكردستاني أو الكيانات المشابهة الأخرى) بإلقاء السلاح بشكل كامل ونهائي، وأن تقوم بحل نفسها بشكل سلمي. غير أن إسرائيل، ولسوء الحظ، ما فتئت تسعى جاهدة لإثارة المشاكل والعراقيل في كل هذه المسائل الحيوية، ولكن عبثًا تحاول، فنحن عازمون كل العزم على تنفيذ قراراتنا المتخذة".

وفي اللحظة التي كانت فيها هذه الكلمات تُسطَّر وتُدوَّن، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية لا تزال تحلق بكثافة فوق منطقة القنيطرة السورية، في حين دخلت مجموعات درزية صغيرة، تحظى بدعم غير مباشر من الجانب الإسرائيلي، في اشتباكات مسلحة مع قوات الجيش السوري النظامي هناك.

وفي سياق متصل، صرَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة أثناء عودته الميمونة من إيطاليا، قائلاً: "إن الهجمات الإسرائيلية المتواصلة هي محاولة سافرة لعرقلة الإدارة الجديدة في سوريا. إن وحدة الأراضي السورية بالنسبة لنا هي أمر لا يمكن التنازل عنه أو المساومة عليه بأي شكل من الأشكال، ولن نسمح أبدًا بفرض أي أمر واقع جديد على الأرض".

منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل ترى في الإدارة الجديدة في سوريا، وفي الوضع الجيوسياسي المتشكل هناك، تهديدًا وجوديًا حقيقيًا لها، لم تتوقف عن محاولاتها المستمرة والدؤوبة لإثارة الفوضى والاضطرابات الداخلية داخل البلاد، واختبار مدى صبر وقوة تركيا.

تقوم مراكز الفكر ووسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر تقارير عديدة تتحدث عن النتائج المحتملة لصدام تركي-إسرائيلي، في محاولة واضحة للتعبير عن "جدية" الوضع وتعقيده. لكنها لا تكتفي بذلك فحسب، بل تمارس أيضًا حملات دعائية مكثفة ومنظمة ضد تركيا في وسائل الإعلام البريطانية وبعض المنصات الناطقة باللغة العربية، مستغلة بشكل سافر الملف السوري لتحقيق أغراضها.

كل هذه المؤشرات والدلائل تشير بوضوح إلى أن الساحة السورية تُستخدم حاليًا كميدان للإحماء ولاختبار احتمالات الصدام المباشر بين تركيا وإسرائيل. فإسرائيل تسعى جاهدة من خلال هذه التجربة أن تكتشف مدى جدية تركيا في مواقفها، ومدى اعتبار الإدارة السورية الجديدة أمرًا لا غنى عنه بالنسبة لأنقرة، ومدى قدرة تركيا على التشدد في مواقفها تجاه إسرائيل وتهديداتها المستمرة.

في لقاء خاص أجريته مع أحد القادة رفيعي المستوى في القوات المسلحة التركية، سألته عن المقارنة العسكرية بين تركيا وإسرائيل، فأجاب بابتسامة ساخرة بأن هذه المقارنة "مضحكة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لا توجد أي فرصة لإسرائيل في مواجهة الجيش التركي القوي.

وأضاف بلهجة حازمة وقوية: "قاعدة الاشتباك لدينا واضحة تمامًا ولا لبس فيها: نرد على أي هجوم يُشنّ علينا بالمثل، وبقوة مضاعفة في بعض الأحيان، بغض النظر عن الدولة التي تقف خلفه أو تدعمه. أي هجوم على قواعدنا العسكرية يُعدّ سببًا مباشرًا لإعلان الحرب".

تصريحات جميع المسؤولين الأتراك تسير في هذا الاتجاه الواضح والصريح. وإسرائيل تقرأ هذه الرسائل جيدًا وتفهمها تمام الفهم. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: إلى أي مدى يمكن لتركيا أن ترد على إسرائيل، خاصة وهي تتلقى دعمًا أميركيًا كاملاً وغير محدود؟ هذا هو بالتحديد ما تسعى إسرائيل لاختباره وتقييمه.

تركيا، بلا شك أو تردد، سترد بقوة وحزم على أي تطور ميداني سلبي تواجهه، ولكن الرد قد لا يكون بالضرورة بأساليب عسكرية تقليدية. فالأمر يتوقف إلى حد بعيد على أساليب التحرش والاستفزاز التي تنتهجها إسرائيل في استفزازها لتركيا.

لا أحد يتوقع بتاتًا من إسرائيل أن تُقدم على خطوة مباشرة ومتهورة تؤدي إلى صدام عسكري شامل، ولكن من الواضح والجلي أنها لم تعد تخفي رغبتها الجامحة في إضعاف الإدارة السورية الجديدة وتقويضها، بل إنها مستعدة للقيام بكل ما يلزم من إجراءات لتحقيق ذلك الهدف الخبيث. ولهذا السبب تحديدًا، يُختبر في الميدان من هو الأقوى عزمًا وبأسًا وقادرًا على فرض إرادته.

واختبار صراع أميركي-صيني في كشمير

وعلى بعد آلاف الأميال من سوريا المشتعلة، هناك اختبار آخر للإرادة والعزيمة يلوح في الأفق. لقد اعتدنا على التوتر المستمر منذ سنوات طويلة بين دولتي الهند وباكستان الجارتين، خاصة في القضايا الشائكة والمعقدة مثل قضية كشمير المتنازع عليها، والمياه، والمهاجرين، وأمن الحدود المشتركة.

ولكن الأحداث الأخيرة اكتسبت ديناميكية مغايرة تمامًا ومتصاعدة بشكل غير متوقع ومثير للقلق. لعل تفاصيل الاشتباكات الدامية التي قُتل فيها ما لا يقل عن 25 شخصًا في كشمير لم تعد بحاجة إلى سرد أو تفصيل. ما يغير المعادلة هذه المرّة بشكل جذري هو التموضع الجديد والمختلف تمامًا لكل من الصين والولايات المتحدة في هذا الصراع الإقليمي.

فبينما كثفت الولايات المتحدة من علاقاتها مع الهند بشكل ملحوظ، بلغت علاقات الصين مع باكستان ذروتها وأوجها. وأعلن وزير الدفاع الباكستاني رسميًا أن روسيا والصين ستشاركان بفعالية في التحقيق في أحداث كشمير المؤسفة. كما أعلنت الصين، ردًا على تعليق الهند لاتفاقيات المياه الثنائية، أنها قد تقدم على قطع المياه المتدفقة من أراضيها نحو الهند، في رد واضح على ما اعتبرته موقفًا عدوانيًا وغير مبرر تجاه باكستان.

وفي حين تواصل الولايات المتحدة إطلاق دعواتها الظاهرية والمخادعة لخفض التوتر والتهدئة، فإنها، في الخفاء، لا تتوانى أبدًا عن تأكيد دعمها الكامل واللامحدود للهند في مواجهة باكستان.

هل ستصبح هذه الساحة اختبارًا حقيقيًا للقوة والنفوذ بين كل من أميركا والصين؟ سؤال يطرح نفسه بقوة.

من الواضح للعيان أن الحرب التجارية الشرسة التي شنتها الولايات المتحدة بهدف كبح جماح النمو المتسارع للصين وزيادة تأثيرها العالمي، لم تحقق النتائج المرجوة منها على الإطلاق. فكثيرًا ما تراجع الرئيس الأميركي السابق ترامب عن تصريحاته النارية والمتشددة.

ومع ذلك، تدرك الولايات المتحدة تمام الإدراك أنه لا بدّ من اتخاذ خطوة حاسمة وجادة قبل الموعد النهائي الذي حددته كآخر فرصة لوقف التمدد الصيني المتزايد. ويبدو أنّ التوتر المتصاعد بين الهند وباكستان يُرى اليوم كفرصة ذهبية لاختبار القوى في منطقة مجاورة مباشرة للصين وقريبة منها.

في مشهد معقد ومتشابك تشارك فيه دول أخرى مثل بنغلاديش وأفغانستان وروسيا، قد ترغب الولايات المتحدة بشدة في معرفة موقف الصين الحقيقي في حال اندلاع صراع مسلح واسع النطاق: إلى أي مدى يمكن أن تُستنزف الصين في هذا الصراع، وكم من مواردها الضخمة يمكن أن تستهلك؟ ومن المؤكد أن واشنطن ترى أن إجراء هذا الاختبار على بعد 13 ألف كيلومتر من أراضيها هو أمر آمن ومضمون النتائج.

وكما فعلت الصين في الحروب التجارية السابقة، فإن صبر الصين الإستراتيجي الشهير سيتصدر المشهد في هذه الأزمة المتفاقمة، وستسعى جاهدة للخروج منها برباطة جأش وهدوء محققةً أكبر قدر ممكن من المكاسب والإنجازات.

لكن ما فاجأني حقًا هو استعداد الصين، ولأول مرة على الإطلاق، لأن تأخذ جانبًا واضحًا وصريحًا في صراع إقليمي مباشر. ويبدو لي أن نهاية هذه الأزمة ستشهد على الأرجح مزيدًا من التوغل الصيني الملحوظ داخل باكستان، فضلًا عن تعزيز نفوذها وتأثيرها في دول أخرى مثل بنغلاديش وأفغانستان والدول المماثلة، من خلال إظهار الخطر الحقيقي الذي يشكله التحالف الهندي-الأميركي عليها.

وأحسب أن الولايات المتحدة تضغط بكل ما أوتيت من قوة على كل الأزرار المتاحة في حالة من الهلع والفزع من أجل عرقلة تقدم الصين واحتواء نفوذها المتزايد وإيقافها عند حد معين. لكن، وكما حدث في الأزمات السابقة، تخرج الصين أقوى وأكثر صلابة في كل مرة، بينما تتراجع الولايات المتحدة خطوة كبيرة إلى الوراء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة